Image result for mufasa and simba

 «موفاسا» الملك،  بينصح أبنه «سيمبا» عن كيفية إدارة الحكم.

–  سيمبا، كل حاجة في الوجود، مُنسجمه مع بعضها في توازن دقيق، والحاكم ضروري يفهم التوازن ده، ويحترم كل المخلوقات، من أول النملة لحد البقرة.

= مش أحنا بناكل البقرة؟

–  أيوة بناكلها، تعرف ليه؟!، لما نموت جسمنا بيتحول لأعشاب، والبقرة بتاكل الأعشاب دي، وبالشكل ده كلنا مُتصلين ببعض في دايرة الحياة الكبيرة.

تخيل نفسك في غابة، حواليك طيور، وأشجار، وزهور، وحيوانات، وتأملت كل عنصر من دول على حدى، هتلاقي أن الأشجار بتكبر وتنمو وتتشابك أغصانها، وفي نهاية الأغصان، في أوراق خضراء جدًا، وفيها كمية كلوروفيل كتير، علشان تمتص أكبر قدر من الضوء بيصل إليها. هتلاقي الطيور بتبني أعشاش في أعلى أغصان الأشجار، بشكل متناسق ومنظم علشان تحمي الأفراخ بتاعتها من أنها تسقط من على الأشجار، أو يتم أفتراسها. هتلاقي الزهور ليها ألوان مختلفة ومتفتحة لأقصى درجة، علشان تجذب النحل وينقل معاه حبوب اللقاح ويتم التلقيح وعملية التكاثر بين الزهور. هتلاقي الحيوانات بتطارد بعضها، وبعضها بيفترس بعض، علشان تكتمل السلسلة الغذائية. حتى على المستوى الميكروسكوبي، الخلايا بتنقسم سواء ميتوزيًا أو ميوزيًا علشان تتم عملية التكاثر، وويتم الحفاظ على المادة الوراثية بشكل كامل في كل خلية. وكأن الكون كله مُنظم بشكل ما، ويساعد كل كائن حي أنه يؤدي وظيفته بشكل متكامل ويحافظ على نوعه، بديهيًا انت هتكون مقتنع تمامًا، ان الموضوع مش مرتبط بالحظ، أو ظهور كوكب ما في السماء، علشان الكائنات دي تؤدي وظيفتها بالشكل ده، وأن هناك شئ ما هو اللي خلف العمليات السلوكية دي كلها.

لو انت عالم من علماء البيولوجيا، هتشوف الموضوع ده بنظرة مختلفة تمامًا، هتكون على يقين بأن كل اللي انت شوفته، سواء على مستوى الكون المرئي، أو على المستوى الميكروسكوبي، ماهو إلا صورة نهائية، لمجموعة متشابكة من التداخلات بين كل الكائنات الحية دي، فكل الكائنات الحية زي ما بيقول «موفاسا» مُتصلة ومؤثرة في بعضها، علشان تحقق هدف واحد، هو البقاء لأطول فترة ممكنة على سطح الأرض.

خلينا نكون متفقين أن التطور بيُنتج كائنات حية، لو نظرت لكل كائن منهم على حدى، هتلاقي أنه مالوش قيمة، أو مالوش هدف ومعنى واضح بالنسبة للبيئة المحيطة بيه؛ وده لأن الأنتخاب الطبيعي في النهاية، بيحافظ على الكائنات الحية اللي ليها أكبر فرصة للتكيف مع البيئة والضغوط البيئية المحيطة بيها، وتقدر تتكاثر وتورث صفاتها لأبنائها. وجود الأنتخاب الطبيعي، وتأثيره في أختيار الكائن المناسب والأكثر قدرة على التكيف مع البيئة، منح الكائن ده هدف ومعنى للحياة، وهو الحفاظ على الجنس والتكاثر وتوريث صفاته لأجيال متعاقبة منه. ظهور المعنى والهدف اثناء عملية التطور نفسها، بينتج من عمليات على مستوى ميكروسكوبي، احنا مش على علم كافي بكل جوانبها، مع العلم ان المعنى والهدف غير مؤثرين في الأليات اللي بتقود التطور نفسه، زي الطفرات، أو الهجرة، أو الأنتخاب الطبيعي.

هنا أحنا بنتسحب للقاع، أو لمستوى الميكروبيولوجي، لانه المستوى الوحيد اللي يمتلك الحقيقة كاملة. الفيلسوف الأمريكي «Daniel Dennett » بيوصف المنظومة دي بقوله ” بوجودنا داخل المستوى الميكروسكوبي للبيولوجيا، نكون منتظرين ظهور الغاية والهدف اللي يحكم تصرفات الكائن الحي، ولكن بمجرد أنتقالنا لعالم الظواهر أو العالم المرئي، اللي بيحتوى على قدر من التعقيد في سلوكيات الكائن الحي، تختفي القدرة على ملاحظة هذه الغاية أو الهدف”، وبيستنتج في النهاية أن فكرة زي دي، بتُمثل قوة الفكر الدارويني، ان مجرد جُزئ صغير داخل جسد الكائن الحي، هو المسئول عن ظهور الهدف والغاية والوعي، بل مسئول عن ظهور المنظومة الكونية للكائنات الحية بأكملها.

ويتفق «Daniel Dennett » مع «Richard Dawkins» على مجموعة نقاط، تصف الترابط السلوكي الحيوي للكائنات الحية، مع المستوى الميكروسكوبي.

1 – مغزى الحياة والهدف منها، موجود فقط على المستوى الميكروسكوبي، وبالتالي لفهم منظومة الحياة، لا بد من دراستها من المستوى الميكروسكوبي.

2 – كل شئ هتعرفه وترصده على المستوى الميكروسكوبي، ماهو إلا عبارة عن قصاصات من لوحة فنية كبيرة، لسه معرفتهاش.

3 – الأنتخاب الطبيعي يمتلك قوة كبيرة جدًا على المستوى الميكروسكوبي، فمن خلال عمله كألية خوارزمية تحكمها قوانين معقدة زي ما بيقول « Daniel Dennett»، أو زي صانع ساعات اعمى زي ما بيقول «Richard Dawkins»، بيقدر يُنتج لينا كيانات معقدة جدًا، وتمتلك درجة كبيرة من الوعي، زي الأنسان.

4 – كل اختيارتنا وافعالنا القائمة على الاختيار، زي قدرتي على كتابة المقال ده، ورغبتك في قراءته، ماهي في النهاية إلا عملية محكومة بالعالم الميكروسكوبي اللي بيشكل كيانتنا العقلية والمادية.

المُعضلة القوية هنا، هو وجود الأنتخاب الطبيعي، أو الطفرات، كعامل مؤثر على المستوى الميكروسكوبي، وبالتالي تظهر تأثيراتها في العالم المرئي في سلوك الكائن الحي، ودائمًا وأبدًا ما يتم وصف الأنتخاب الطبيعي والطفرات بأنها عملية عشوائية، وبالتالي التطور بأكمله هو عملية عشوائية، ويظهر لينا السؤال المهم، ازاي عملية عشوائية ينتج عنها التعقيد السلوكي اللي بنشوفه في حياتنا اليومية.

لفترات الطويلة الناس كانت بتنظر للفلسفة الداروينية بأنها فلسفة قائمة في ذاتها على الصدفة أو العشوائية، وده كان سبب هجوم ناس كتير على الفكر الدارويني، خصوصًا أبناء الأتحاد السوفيتي وقتها، اللي كانوا بيحاولوا يدمجوا علوم الوراثة مع علوم اللاهوت، تحت مُسمى «علم الوراثة الستالينية» نسبة إلى الزعيم الروسي «جوزيف ستالين»، اللي كان مختار مجموعة من علماء الوراثة بقيادة البيولوجي السوفيتي «تروفيم ليسينكو»، علشان يأسسوا حملة سياسية ضد الوراثة المنديلية (نسبة إلى ميندل)، وضد الانتخاب الطبيعي، ونشر فكرة أن الصفات المُكتسبة تورث من جيل إلى جيل. وأطلقوا على الحملة دي أسم «الحملة الليسينكوية»، نسبة إلى «تروفيم ليسينكو»، اللي بيقول في أحد كتبه

” كل العلوم الدقيقة مثل الفيزياء والكيمياء، تخلصت من فكرة الصدفة أو العشوائية، ولهذا أصبحت علوم دقيقة وحقيقية. والكائنات الحية تتطور وفقًا لقوانين وقواعد وراثية صارمة،لا يمكن أن يصيبها أي خلل، أو تتحكم بها الصدفة، وإذا ما تخلصنا من الصدفة في علوم البيولوجيا، التي أدخلها «مندل»، و«مورجان»، و«ويسمان»، سيصبح علم البيولوجيا علم دقيق وحقيقي مثل الفيزياء والكيمياء”

نتيجة لأفكار «ليسينكو»، مات أكثر من 20 مليون شخص بسبب المجاعات، وفشل ابحاثه في علم الوراثة الزراعية، والنتيجة وقتها أنه تم إصدار تصريحات سياسية، بأن الموضوع في النهاية بيد الله، وأن موت الأفراد ما هو إلا جزء من خطة الله للحفاظ على الأنواع.

وزي ما كان في ناس غير مؤمنين بوجود الصدفة وتأثيرها بشكل تام، كان على الجانب الأخر من الخط في جانب متطرف جدًا، بيُعزي كل شئ إلى الصدفة بشكل كامل، وكان على رأسهم عالم الأحياء التطورية الفائز بجائزة نوبل سنة 1965، الفرنسي «جاك مونو»، اللي كان مُعتقد بأن الأحداث اللي بتقود التطور في الأنظمة المُعقدة المُغلقة زي الكائنات الحية، هي أحداث على المستوى الميكروسكوبي فقط، وتتبع الصدفة البحته، ولا تخضع لأي قوانين، ومفيش أي ترابط بينها، وبين أي أحداث سابقة أو تالية ليها، لأنها أحداث فردية لا أكثر ولا أقل.

كلام «جاك مونو»، كلام غير دقيق ومش صحيح، لأن آليات التطور مش آليات فردية ومنعزلة عن بعضها ومجهولة زي ماهو بيقول، بالعكس دي آليات مرتبطة مع بعضها، وتم الكشف عن الكثير منها، وتم أكتشاف أن آليات كتير من آليات التطور، آليات غير عشوائية، ولا تتبع النمط العشوائي في حدوثها، لكنها تخضع لتأثيرات متبادلة مع البيئة المحيطة بمختلف مكوناتها ومحتوياتها.

آليات التطور كتير ومختلفة، ولكن أهمها هو «الأنتخاب الطبيعي – Natural selection»، الفكرة اللي منحت دارون الشهرة الأكبر بين علماء البيولوجيا التطورية، وهي نفس الفكرة اللي زودت من قاعدة مهاجمي ورافضي التطور، بسبب سوء فهمها، زيها زي الجملة الغريبة اللي قالها الفيلسوف الأنجليزي «سبنسر» (البقاء للأصلح)، كأنك بتحاول توصف الطبيعة بأنها تمتلك هدف ما تجاه الكائنات الحية، وبتحاول توصل بالكائنات الحية نحو الكمال المتناهي، كأنك بُتعيد أفكار أرسطو عن الغائية وسلسلة الوجود العظمى، ولكن الكلام ده كله كان أبعد ما يكون عن الحقيقة.

الأنتخاب الطبيعي في العلوم الحديثة، تم تشبييه بشئ جميل، عامل زي قرصين معدنيين متقابلين، بيتحركوا في اتجاه معاكس لبعض، وكل واحد فيهم بيمارس قوة مختلفة ومضادة للتاني، وما بين الأتنين متواجد الكائن الحي، القوتين دول واحدة منهم عبارة عن قوة البقاء المتمثلة في التكاثر وتوريث الصفات الصالحة، والتانية هي القوة اللي بتنتقي الصفات الصالحة اللي تقدر تتكيف مع ظروف البيئة المحيطة، وتستبعد الكائن ذو الصفات الاقل كفاءة، وعلشان كده في علماء كتير بيُطلقوا على الأنتخاب الطبيعي أسم (الفرز البيئي للعوامل الوراثية)، كأن البيئة بتختار العوامل الوراثية المناسبة ليها والمتكيفة معاها وتسمح ببقاءها وتعزز فرص انتقالها لأجيال متتالية، وتمنع الصفات الاخرى الاقل كفاءة.

سنة 1798  كتب رجل اقتصاد انجليزي اسمه «توماس مالتوس» كتاب اسمه « بحث في مبدأ السكان – Essay on Population»، اللي كان بيقول فيه أن الشخص اللي مبيشتغلش، ومش لاقي حد يعوله أو يصرف عليه، هيواجه نقص في الغذاء، وبالتالي تقل فرصه في البقاء، ويكون عُرضة للفناء أكثر من غيره. وعلشان تفهم الفكرة، تخيل معايا أن في قرية عايش فيها 100 شخص، 70 منهم اقوياء جسديًا وماديًا، والـ 30 المُتبقيين ضُعفاء، وأن القرية دي فيها 100 بقرة فقط، أهل القرية بيستخدموهم للأكل، وهمة المصدر الوحيد للغذاء، لو أفترضنا أن كل واحد من نصيبه بقرة واحدة يوميًا علشان يحافظ على حياته، فكل شخص من الـ 100 هياخد بقرة وبالتالي كل الأفراد هتعيش، ولكن لو زاد عدد الأشخاص عن 100، أو نقص عدد البقر عن 100، فهنا هيبدأ الصراع على الموارد، واللي هيقدر يفوز بنصيبه هو الشخص القوي، ذو الصفات القوية، وكل شخص ضعيف مش هيقدر ياكل أو يتغذى ومع مرور الوقت هيموت، لحد ما ينتهي كل الضعفاء، ويبقى الأقوياء فقط، القادرين على البقاء.

دارون قرأ كتاب توماس مالتوس، وطلع بفكرة أن لو عدد الأفراد زاد عن الموارد المتاحة، فالأشخاص القادرين على استخدام الموارد بصورة مثالية، نسبتهم هتزيد في المجتمع، والاشخاص الغير قادرين على استغلال الموارد، هتقل نسبتهم ويتناقصوا مع مرور الزمن. ولو عندنا مجموعة سكان متعايشين مع بعض، وعزلنا عنهم جزء في مكان بعيد، هنلاحظ وجود تراكمات من التغيرات الوراثية بين المجموعتين، ولو العزل تم لفترة طويلة مع ضغوط بيئية متزايدة، قد ينشأ عندنا نوع جديد ومختلف، وغير قادر على التزاوج من النوع الاصلي اللي انفصل عنه. وكل ما تكون المجموعة السكانية صغيرة في العدد، كل ما تكون فرص التزاوج بين افرادها محدودة، وبالتالي بيضيع جزء كبير من الصفات الوراثية المُنتقلة من المجموعة الأم، للمجموعة بأكملها، كأنك بالظبط عزلت المجموعة عن بعضها، وممكن في أوقات كتير يؤدي لنشوء أنواع جديدة من الكائنات الحية، وده أحد طرق عمل الأنتخاب الطبيعي المعروفة بأسم « الأنحراف الوراثي – Genetic drift».

كل الأستنتاجات اللي استنتجها دارون، ادت لمجموعة أكبر من الأستنتاجات والملاحظات الأكثر أهمية، يعني مثلا مُصطلح «النوع» بقى مصطلح ضبابي مالوش حدود واضحه، متعرفش أمتى ده يبقى نوع، وامتى ده يبقى نوع مختلف، وتبدأ تتسائل هل الحصان والحمار نوعين مختلفين، أم أنهم نوع واحد، هل القطط والكلاب أنواع مختلفة أم انها نوع واحد لأنها تشترك في سلف مشترك سابق. ويمكن تعريف (النوع) من المصطلحات اللي مر عليها تغيرات كثيرة جدًا في البيولوجيا التطورية، والتعريف الأكثر شيوعًا دلوقتي، هو أن الأنواع بتتمايز وتختلف عن بعضها لما تكون غير قادرة على التزاوج من بعضها، يعني الأسود لا تتزاوج مع النمور وبالتالي كل واحد فيهم نوع مختلف وهكذا.

الأستنتاج التاني المهم، هو أن مفيش هدف محدد أو مُعلن لاختيار صفات معينة، فكل مجموعة سكانية بتطرأ عليها تغيرات وراثية، والتغيرات دي بتنتشر أو تنحسر حسب الظروف البيئية المحيطة ليها، فالكائنات اللي بتمتلك أربع رجول، بتنتج كائنات تانية ليها اربع رجول مش تلاته، ولكن الرجول دي قد تكون طويلة أو قصيرة، وحسب الظروف البيئية المحيطة بتنتشر الصفة، سواء طول الرجل او قصرها، وكل ميزة تساعد الكائن الحي في البقاء لفترات أطول، بيتم الحفاظ عليها وانتاجها في الاجيال المتتالية. ومع تراكم المميزات في الجيل الواحد، تتورث المميزات دي للاجيال القادمة، فنلاحظ وجود تغيرات مظهرية كمان على مستوى السكان، لحد ما تسيطر الميزة المنتشرة على كل السكان، وده مش لأن الصفة اللي اتغيرت هي افضل صفة، ولكنها الصفة المناسبة للبيئة المحيطة، ويمكن من هنا ممكن نبدل مصطلح (البقاء للأصلح) لمصطلح (البقاء للأكثر قدرة على التكيف).

تخيل مثلا ان في جنين في رحم أمه، الجنين ده في البداية كان عبارة عن نطفة بسيطة من تزاوج البويضة مع الحيوان المنوي،  والمشيج تحول لزيجوت، والزيجوت تحول لجنين، والجنين اتولد وبقى شخص بالغ عاقل. الموضوع مش كده وبس، الجنين وهو في رحم امه بيؤثر عليه مجموعة مؤثرات، زي مستوى التغذية، شرب الكحوليات أو المخدرات، الاصابة بالأمراض، وحتى بعد ما يتولد بيتأثر بالبيئة، من نقص الغذاء لأختيار شريك في الحياة لقدرته على التكاثر. كل دي مجموعة قوانين وعمليات ومؤثرات بتؤثر في حياة الفرد. المؤثرات دي، مع فترة حياة الكائن الحي ممكن نلخصها في رسم بياني بسيط كالأتي

Capture.JPG

الرسم هنا بيحتوي على أربع مراحل من حياة الكائن الحي، همة كالأتي

LI  القوانين أو المؤثرات اللي بتؤثر في عملية الأخصاب

L2  المؤثرات اللي بتؤثر في نمو الجنين وتطوره

L3  المؤثرات اللي بتؤثر في حياة الشخص بعد ولادته حتى بلغوه

L4  المؤثرات اللي بتؤثر في قدرته على التكاثر جنسيًا

Economic domain  الحد الاقتصادي المؤثر في حياته

Codical domail  الحد المؤثر من البيئه على جيناته.

تغيرات كتير بتطرأ على الجينات لأسباب كتير، سواء من التزاوج بين فردين، أو حدوت طفرات في المادة الوراثية نتيجة بعض المؤثرات الكيميائية، كل الأمور دي ممكن تغير في الجين أو المادة الوراثية للجنين وهو في مرحلة L1، ولكنك مش هتكون قادر تحدد السبب الفعلي للتغير ده، ولا هتعرف النتيجة النهائية للتغير ده، وكأن الأمر يحمل في داخله جزء من العشوائية. وبمجرد حدوث تغيير ولو طفيف في المادة الوراثية للكائن الحي، بينعكس التغيير ده على الشكل المظهري للكائن الحي، وبالتالي المرحلة L1  قد تطرأ عليها تغيرات عشوائية، واللي بيحكم المرحلة دي قوانين التكاثر.

المرحلة L1  والتغيرات اللي بتطرأ فيها، بتؤثر بشكل كامل في المرحلة اللي بعدها وهي المرحلة الجنينية L2، لان اي تغير في المادة الوراثية قد ينتج عنه ظهور اعضاء جديدة، أو اختفاء اعضاء معينة، واللي بيحكم المرحلة دي قوانين التطور.

المرحلتين L3 و L4  دي مرحلة بيئية بحته، بيتصارع فيها الفرد مع اللي حواليه علشان يتكيف مع البيئة، واللي بيحكمها هنا هو قوانين البيئة المحيطة.

الانتخاب الطبيعي ومعاه الانتخاب الجنسي كمان، بيكونوا مهتمين بشكل أكبر بالتغيرات الناتجة من قوانين التكاثر وقوانين تطور الكائن الحي، مع أهتمام اقل بتغيرات الناتجة من القوانين البيئة اللي بتنظم حياةا لكائن الحي. ومع تطور العلم واكتشاف المادة الوراثية DNA بالأضافة للـ RNA، اصبحت عملية دراسة التغيرات الجينية اللي بتحصل في أي مرحلة من مراحل الكائن الحي، اصبحت عملية بسيطة، واصبح هناك سبب للتغير الناتج، واصبح عملية تطور الجنين معروف خطواتها، ومن هنا مصطلح (العشوائية) مبقاش موجود، ولو انت ركزت هتلاقي ان مصطلح العشوائية كان بيتم استخدامه لتوضيح غياب السبب، وليس لوصف العملية بنفسها.

نقدر نوصف لفظ العشوائية اللي كان بيتم استخدامه في البيولوجيا بمصطلح ( العملية التصادفية أو stochastic processes) وده مصطلح بيعبر في الفيزياء عن مجموعة عمليات مرتبة بتحصل مع بعضها بدون وجود علاقة منظمه بينها وبين بعض، وبالتالي تظهر انها تقع في إطار العشوائية.

من هنا نقدر نقول أن مصطلح العشوائية ابعد ما يكون عن العمليات الوراثية أو العمليات التطورية، ولكن بالنسبة للعمليات البيئية المؤثرة على الكائن الحي، فالمصطلح له وجود فعلي،  ولكن السؤال الصح اللي لازم تسأله، العشوائية الموجودة اثناء التطور، عشوائية بالنسبة لأيه؟

لو عندنا نظرية علمية وفي موديل بيوصف النظرية دي، ففي بعض الاشياء بيكون مُسلم بيها، بالنسبة للشخص واضع النظرية، والفلاسفة بيسموا الاشياء دي (افتراضات). جزء من الافتراضات دي بيكون جاي من ابتكار واضع النظرية ولسه مفيش شئ واضح لتأكيده، وجزء تاني بيكون واضع النظرية  مستمده من نظرية تانية بتعمل بكفاءة وتم تأكيدها.

على سبيل المثال دارون كان عارف ان في حاجه اسمها وراثة وصفات بيتم توريثها، مع أنه مكنش على علم بقوانين الوراثة اللي بتعمل بشكل صحيح، فهو افترض وجود نظرية وراثية اسمها (pangenesis – شمولية التخلق) علشان يوصف بيها فكرة الانتخاب الطبيعي اللي توصل ليها، وبالرغم من أنه النظرية الوراثية بتاعته دي كانت غلط، إلا أنه فتح الباب أمام علم كبير هو علم الوراثة.

بمجرد ما أُعيدت صياغة قوانين مندل للوراثة بأستخدام النماذج الرياضية علشان توصف لينا معدلات التغير السكاني على مستوى العالم، ومعدل التغير في الصفات الوراثية، تم تأسيس « الداروينية الحديثة – Neo-Darwinism  »، على أيد علماء من امثال « جون هالدان»، ولما العالم الألماني «أوغوست ويسمان» عرف أن المعلومات الوراثية بتنتقل فقط عن طريق الخلايا الجنسية فقط وليس الخلايا الجسدية في نظريته « Germ plasm theory»، وان الخلايا الجنسية هي اللي بتؤثر في الشكل المظهري وليس العكس، عرفنا ان الانتخاب الطبيعي بيشتغل في اتجاه واحد بس، وهو التاثير على الخلايا الجنسية وتغيير معلوماتها الوراثية، فيتأثر الشكل المظهري للكائن الحي. من هنا وبالنسبة للانتخاب الطبيعي فالتغيرات الجينية بتم بصورة عشوائية.

لو الكائن الحي عايش في ظروف ما صعبة، وفي ضغوط بيئية من نقص غذاء او ارتفاع درجة حرارة مؤثرة عليه، فاللي هيحصل هو وجود أو تشفير معلومات جديدة داخل الحمض النووي للكائن الحي، مما يعني وجود طفرة ما في الحمض النووي والمادة الوراثية، يعني وجود تغير مظهري للكائن الحي علشان يواجه الضغوط البيئية اللي اتعرض ليها ويقدر يتكيف معاها، والانتخاب الطبيعي يسمح بمرور المادة الوراثية المُعدلة للاجيال القادمة، كل ده وعلى مستوى البيئة وعلى مستوى الانتخاب الطبيعي فالعملية عشوائية بحته، ولكن بالنسبة لقوانين البيولوجيا الجزيئية فالعملية غير عشوائية من الاساس، بل هناك سبب ما لحدوث الطفرة والتغير المظهري للكائن الحي.

ريتشارد دوكنز لما كان بيتكلم عن مُعدلات الخطأ اثناء تضاعف المادة الوراثية، كان بيقول أن مُعدلات الخطأ دي قليلة جدًا، بتوصل أحيانًا 10 أوس -10 خطأ لكل زوج من الكودونات، وبالتالي عملية تضاعف المادة الوراثية هي عملية عالية الدقة، وايا كان مُسبب الخطأ اثناء التضاعف فعلى المستوى الميكروسكوبي ممكن تتنبأ بيه بسهولة جدًا، وقد يكون الأمر مختلف تمامًا على مستوى الكون المرئي، أنك متقدرش تتنبأ بيه، وبالتالي بتنظر ليه على أنه عشوائي، والفارق في الحالتين هو نقص المعلومات اللازمة.

أنت هنا مش بتواجه مبدأ هايزنبرج لعدم اليقين اللي بيتم استخدامه لوصف العشوائية في عالم الكوانتم، ولكن العشوائية في البيولوجيا مرتبطة بالانتخاب الطبيعي فقط، مع العلم أن الأنتخاب الطبيعي نفسه عملية مش عشوائية فهو في النهاية بيخضع لأسباب، أسباب بتحاول تخلي الكائن الحي يتكيف لافضل صورة مع البيئة المحيطة ليه، مع أنه مش هيوصل لدرجة الكمال في التكيف ده.

من هنا انت لازم تفرق بين نوعين من العشوائية، في نوع معناه أنه حصل كسر في سلسلة السببية اللي بتسبق الأحداث، وبالتالي الحدث اللي بيحصل هو حدث فوضوي تمامًا، انت لا تعلم عنه اي شئ، كأنه ظهر ليك من العدم. وفي نوع تاني معناه انك غير قادر على التنبؤ بالأحداث، ولكن النوع ده يمتلك اسباب دفعته للحدوث. لما بنتكلم عن الجينوم او المادة الوراثية ونصفا في بعض الاحيان بالعشوائية، فأحنا بنتكلم عن النوع التاني، الغير قادر على التنبؤ بالأحداث، ولكنه يمتلك اسباب الحدوث. ويكتب هنا عالم الأحياء الأمريكي«ستيفين جاي غولد»

” في اللغة العامية الأنجليزية، فكلمة عشوائية تعني وجود حدث بدون نمط منظم، وفوضى لا اساس لها، ولكن على النقيض فالعشوائية علميا تنتج احداث بسيطة، يُمكن معرفة نمط حدوثها وتداخلها، وبالتالي التنبؤ بمستقبلها”

علميًا لما بتيجي تشرح ظاهرة ما، انت بتحاول تجاوب على معظم الاسئلة اللي بتدور حوالين الظاهرة دي، وبتحاول تلاقي حلول للأسئلة الصعبة اللي بتواجه الظاهرة دي، وبتشرح في نفس الوقت خصائص الظاهرة اللي قدامك ومسبباتها. التطور من خلال الانتخاب الطبيعي هو عبارة عن حدوث تغيرات في الكائنات الحية مع مرور الزمن، اسباب التغيرات اللي بتحصل للكائنات الحية، سواء من طفرات أو غيره، دي اسباب ملهاش علاقة بالتطور اصلا، التطور في النهاية هو نتيجة التغيرات دي، وليس التغيرات نفسها.

النهاية، ان التطور عملية مش عشوائية تمامًا، التطور مش عملية اصلا، التطور هو وصف لنتائج مجموعة من الأحداث، سواء كانت ضغوط بيئية، أو انتخاب طبيعي، او طفرات أو غيره. والأنتخاب الطبيعي عملية مش عشوائية بأكملها، هي عشوائية على المستوى المرئي لغياب المعلومات الكافية، ولكن على المستوى الميكروسكوبي فالعملية تمتلك مسببات كافية لحدوثها.

الخوف من أحساس تحكم العشوائية أو الصدفة في حياتنا، هو احساس نابع من رغبتنا المستمرة في إيجاد معنى لكل الامور والاحداث اللي بتدور حوالينا، حتى لو اضطرينا لأختراع قوى ما تسبب الاحداث دي، فهتكون افضل من اخضاعها للعشوائية أو الصدفة.

 Sources

http://www.talkorigins.org/faqs/chance/chance.html

https://www.simpletoremember.com/articles/a/evolution/

https://www.thenewatlantis.com/publications/evolution-and-the-illusion-of-randomness

https://www.str.org/blog/yes-the-evolutionary-process-does-depend-on-randomness#.WzOgCPlTLcc

Leave a comment